الإرشاد الفردي في السياق المدرسي

 الإرشاد الفردي في السياق المدرسي - بقلم أيمن غانم


مقدمة: 

هل تخيلت يومًا أن جلسةً واحدةً مع مرشدٍ مدرسي قد تُغير حياتك؟

تخيل أنك طالب في الصف العاشر، تشعر بأن العالم كله ضدك: مشاجرات مع الأصدقاء، ضغوط دراسية، وخلافات عائلية لا تنتهي. تذهب إلى المرشد المدرسي، وتجلس في غرفة هادئة... تبدأ في الكلام، وبعد 45 دقيقة، تخرج وأنت تعرف بالضبط ما يجب أن تفعله. هذه ليست معجزة، بل هي قوة الإرشاد الفردي، الذي يُعتبر بمثابة "الجراحة النفسية" الدقيقة التي تعالج جذور المشكلات بدلًا من الأعراض.

الإرشاد الفردي في السياق المدرسي - بقلم أيمن غانم


ما هو الإرشاد الفردي؟

الإرشاد الفردي هو عملية مُمنهجة تهدف إلى مساعدة الطالب على:

  • فهم ذاته: اكتشاف نقاط قوته، مخاوفه، ودوافعه الخفية.
  • اتخاذ قرارات ناضجة: بدلًا من ردود الأفعال العشوائية.
  • تحقيق الاستقلالية: بأن يصبح قادرًا على مواجهة التحديات دون اعتماد دائم على الآخرين.
الفرق بينه وبين النصيحة العابرة:

الإرشاد الفردي ليس مجرد كلمات تشجيع مثل "أنت قوي"، بل هو رحلة استكشافية تمتد لعدة جلسات، يستخدم فيها المرشد أدوات كـ:

  • الاستماع الفعّال: لتفكيك مشاعر الطالب layer by layer.
  • الأسئلة المفتوحة: مثل: "ماذا تشعر عندما ينتقدك أستاذك؟".
  • التدريبات السلوكية: كتمارين التنفس لإدارة الغضب.

دراسة الحالة: كيف تُحلّ المشكلات خطوةً بخطوة؟

قصة علي: من الفشل الدراسي إلى التفوق

علي (16 عامًا) كان طالبًا متوسطًا، لكن درجاته انهارت فجأة. في الجلسة الأولى مع المرشد، اكتشف أن سبب التراجع هو خوفه من الفشل في تلبية توقعات أسرته. عبر 6 جلسات، مرّت بمراحل دراسة الحالة التالية:

المرحلة الإجراء النتيجة
1. استقبال الطالب بناء الثقة عبر كسر الحواجز: "أخبرني ما يقلقك دون خوف". اعترف علي بأنه "يشعر بأنه خذل أهله".
2. تحديد المشكلة استخدام استبيان لتقييم مستوى القلق. اكتُشف أن قلقه وصل لدرجة تؤثر على نومه.
3. وضع الخطة أهداف قصيرة: تمارين استرخاء يومية. أهداف طويلة: تحسين التواصل مع الأسرة. بدأ علي في ممارسة اليوجا 10 دقائق يوميًا.
4. التنفيذ تدريبه على حوار مع والديه: "أشعر بالضغط عندما تقارنونني بأخي". ناقش الأمر مع أسرته، ووافقوا على دعمه دون مقارنات.
5. التقييم مقارنة درجاته قبل وبعد الجلسات. تحسن أداؤه بنسبة 40% في فصلين دراسيين.

4 فوائد "سحرية" للإرشاد الفردي للطالب

  1. الارتياح العاطفي: أخيرًا، وجد من يسمعه دون حكم!
  2. فك الشيفرات الداخلية: "أدركت أن غضبي من أصدقائي سببه خوفي من الوحدة".
  3. التدريب على حل المشكلات: مثلًا: كيف ترفض ضغط الأقران بلباقة؟
  4. بناء المناعة النفسية: تعلم تقنيات مواجهة التوتر (ككتابة اليوميات).

ما الذي يستفيده المرشد؟ أدوات لا تُقدّر بثمن!

  • فن تشخيص المشكلات: مثل اكتشاف أن "السلوك العدواني" للطالب سببه تعرضه للعنف الأسري.
  • تطوير مهارات التحليل: من خلال ربط الأعراض (كالتأخر الدراسي) بالأسباب (كاضطراب فرط الحركة).
  • بناء قاعدة بيانات نفسية: لفهم أنماط المشكلات الشائعة في كل مرحلة عمرية.

4 عوامل تجعل دراسة الحالة ناجحة: أخطاء يجب تجنبها!


1-التسرع في التشخيص:

  • الخطأ: افتراض أن طالبًا كسولًا دون استكشاف إمكانية إصابته بالاكتئاب.
  • الحل: استخدام اختبارات نفسية معتمدة (كاختبار Beck للاكتئاب).

2-كسر السرية:

  • الخطأ: مشاركة تفاصيل جلسة مع معلم الفصل دون إذن الطالب.
  • الحل: توقيع اتفاقية سرية مع الطالب تُحدد حدود مشاركة المعلومات.

3-التعميم الخاطئ:

  • الخطأ: افتراض أن جميع الطلاب المنطويين يعانون من اضطرابات اجتماعية.
  • الحل: تقييم كل حالة كـ "كونٍ فريد".

4-إهمال التسجيل الدقيق:

  • الخطأ: الاعتماد على الذاكرة في تتبع تطور الحالة.
  • الحل: استخدام ملف إلكتروني يُسجل كل جلسة (التاريخ، الملاحظات، الخطط).

خاتمة: 

هل يمكن أن تصبح الجلسة الفردية "بداية حياة جديدة"؟

في إحدى المدارس، طلبت طالبة جلسة إرشادية لأنها كانت تُعاني من نوبات هلع كلما دخلت الامتحان. بعد 8 جلسات، لم تتخلص فقط من القلق، بل أصبحت تُدرّب زملاءها على تقنيات الاسترخاء!

الإرشاد الفردي ليس رفاهية، بل هو استثمار في الإنسان. حين نمنح الطالب مساحة آمنة ليعبر عن أسئلته الوجودية ("من أنا؟"، "ما غرضي؟")، فإننا لا نحل مشكلته فحسب، بل نزرع فيه بذور الثقة التي ستثمر طوال حياته. الجلسة الفردية قد تكون الباب الذي يفتح له عالمًا من الإمكانيات... فهل نجرؤ على طَرْقه؟


المراجع

  1. الجمعية الأمريكية للإرشاد المدرسي (ASCA). (2023). أخلاقيات الإرشاد الفردي.
  2. وزارة التربية والتعليم. (2022). دليل دراسة الحالة الفعّالة.
  3. Corey, G. (2021). نظريات وممارسات الإرشاد النفسي.

أحدث أقدم

نموذج الاتصال