هل التفكير في شخص يعني أنه يفكر فيك؟

هل التفكير في شخص يعني أنه يفكر فيك؟

بقلم: أيمن غانم

المقدمة

من الأسئلة التي تتردد كثيرًا في سياق العلاقات الإنسانية: "إذا كنت أفكر في شخص ما، فهل هذا يعني أنه يفكر فيّ أيضًا؟". يشعر الكثيرون بأن هناك "اتصالًا خفيًا" يجعل الطرفين يفكران في بعضهما في نفس الوقت، خاصة في العلاقات العاطفية أو الصداقات العميقة. لكن هل هذا الشعور مبني على أدلة علمية، أم أنه مجرد وهم ناتج عن رغبتنا في الشعور بالارتباط؟
في هذا المقال، سنستعرض الأسباب النفسية والعلمية التي قد تجعلنا نعتقد بوجود هذا الترابط الفكري، مع تحليل نقدي لمدى صحته.

أيمن غانم يوضح هل التفكير في شخص يعني أنه يفكر فيك؟


القسم الأول: الأسباب النفسية وراء الاعتقاد بوجود "اتصال فكري"

1. الانحياز التأكيدي (Confirmation Bias)

الدماغ البشري يميل إلى تذكر الحالات التي فكرت فيها بشخص ما واتضح أنه كان يفكر فيك، بينما يتجاهل المرات العديدة التي لم يحدث فيها هذا التطابق. هذا الانحياز يخلق وهمًا بأن هناك ارتباطًا دائمًا.
[1]

2. الرغبة في الشعور بالأهمية

الاعتقاد بأن شخصًا ما يفكر فيك يعزز شعورك بأنك ذات قيمة في حياته، خاصة إذا كانت العلاقة غير مستقرة. هذا يرضي حاجة نفسية عميقة للشعور بالانتماء.
[2]

3. نظرية "المرآة العاطفية"

تقترح بعض النظريات أن المشاعر القوية (مثل الحب أو الكره) تخلق تزامنًا في موجات الدماغ بين شخصين، مما قد يؤدي إلى تشابه في الأفكار. لكن هذه الفرضية لا تزال تحتاج إلى دعم علمي قوي.
[3]


القسم الثاني: ما تقوله العلوم العصبية

1. نشاط الدماغ والتخيلات

عندما تفكر في شخص ما، ينشط دماغك مناطق مرتبطة بالذاكرة (الحصين) والعواطف (اللوزة الدماغية). لكن هذا النشاط لا يعني أن دماغ الطرف الآخر يمر بنفس العملية، إلا إذا تواصلتما مباشرة.
[4]

2. دور "الخلايا العصبية المرآتية" (Mirror Neurons)

هذه الخلايا تنشط عندما نراقب سلوك الآخرين أو نتخيلهم، مما يخلق شعورًا بأننا "نشاركهم" أفكارهم. لكن هذا لا يعني أنهم يفكرون فينا فعليًا.
[5]

3. الغياب عن الدليل التجريبي

لا توجد دراسات علمية تُثبت وجود اتصال تلقائي بين أدمغة الأشخاص دون استخدام وسائل تواصل مباشرة (كالكلام أو الإشارات). حتى تجارب "التخاطر" الشهيرة فشلت في إثبات نتائج قاطعة.
[6]


القسم الثالث: العوامل الثقافية والروحية

1. المعتقدات الدينية والروحية

في بعض الثقافات، يُعتقد أن الأرواح أو الطاقة الكونية تربط بين الأشخاص المقربين، مما يفسر التزامن في الأفكار. مثلًا، في الهندوسية، يُشار إلى هذا باسم "كارما العلاقات".
[7]

2. الأساطير والقصص الشعبية

العديد من الأفلام والروايات (مثل الشقيقان التوأم في الفلكلور العربي) تروج لفكرة أن "التفكير المتبادل" دليل على ارتباط مصيري، مما يؤثر على تصوراتنا الواقعية.
[8]

3. وسائل التواصل الاجتماعي

عندما ترى منشورًا لشخص ما بعد تفكيرك فيه، قد تعتقد أن هذا "ليس صدفة"، لكن الخوارزميات مصممة لعرض المحتوى المرتبط باهتماماتك، مما يخلق وهم التزامن.
[9]


القسم الرابع: كيف تتعامل مع هذا الاعتقاد؟

1. اسأل نفسك: ما الدليل الملموس؟

قبل أن تستنتج أن الشخص يفكر فيك، ابحث عن أدلة واقعية (مثل اتصاله بك أو ذكرك في حديث). لا تعتمد على المشاعر فقط.

2. تواصل مباشرًا

إذا كان الشخص مهمًا لك، اسأله بصراحة: "هل فكرت بي مؤخرًا؟". هذا ينهي الغموض ويبني ثقة أكبر.

3. استخدم تقنيات التمركز الذهني

التأمل وتمارين التنفس تساعد في تقليل الهوس بقراءة أفكار الآخرين، والتركيز على ما يمكنك التحكم فيه: أفكارك أنت.
[10]

4. استبدال الأسئلة الافتراضية بأخرى عملية

بدلًا من: "هل يفكر فيني الآن؟"، اسأل: "ماذا أريد من هذه العلاقة؟".


الخاتمة

التفكير في شخص ما لا يعني بالضرورة أنه يفكر فيك، لكن هذا لا يقلل من قوة المشاعر التي تربطك به. الفرق بين الواقع والخيال يكمن في التواصل المباشر والوعي بالانحيازات المعرفية التي تشكل تصوراتنا. تذكر دائمًا أن العلاقات الحقيقية تُبنى على الأفعال، وليس التخمينات.


المراجع والمصادر

  1. Kahneman, D. (2011). Thinking, Fast and Slow. Farrar, Straus and Giroux.
  2. Baumeister, R. F., & Leary, M. R. (1995). "The need to belong". Psychological Bulletin, 117(3), 497–529.
  3. Ramachandran, V. S. (2011). The Tell-Tale Brain: A Neuroscientist’s Quest for What Makes Us Human. W. W. Norton & Company.
  4. Panksepp, J. (1998). Affective Neuroscience: The Foundations of Human and Animal Emotions. Oxford University Press.
  5. Rizzolatti, G. (2004). "The mirror neuron system". Annual Review of Neuroscience, 27, 169–192.
  6. Wiseman, R. (2011). Parapsychology: A Handbook for the 21st Century. McFarland.
  7. Chopra, D. (1994). The Seven Spiritual Laws of Success. Amber-Allen Publishing.
  8. Campbell, J. (1949). The Hero with a Thousand Faces. Pantheon Books.
  9. Zuboff, S. (2019). The Age of Surveillance Capitalism: The Fight for a Human Future at the New Frontier of Power. PublicAffairs.
  10. Tolle, E. (2004). The Power of Now: A Guide to Spiritual Enlightenment. New World Library.


أحدث أقدم

نموذج الاتصال