لماذا نكره الأغنية التي كنا نحبها بعد سماعها مرارًا؟

لماذا نكره الأغنية التي كنا نحبها بعد سماعها مرارًا؟

بقلم: أيمن غانم

المقدمة

كم مرة أحببت أغنية ما وأصبحت تُعاد على مسامعك كل يوم، ثم فجأة... لم تعد تحتمل سماعها؟ هذه الظاهرة الشائعة، التي يُطلق عليها "التشبع الموسيقي" أو الإرهاق السمعي، تُثير تساؤلات عن سبب تحول الحب إلى نفور. هل الأمر متعلق بضعف الأغنية، أم أن العقل البشري هو من يلعب دورًا في هذا التحول؟
في هذا المقال، نستكشف الأسباب النفسية والعصبية والثقافية التي تجعلنا نكره الأغاني التي كنا نُرددها بوله، مع دعم النقاط بأبحاث علمية.

أيمن غانم يوضح سبب لماذا نكره الأغنية التي كنا نحبها بعد سماعها مرارًا؟


القسم الأول: العوامل النفسية

1. نظرية التعرض المتكرر (Mere Exposure Effect)

وفقًا لهذه النظرية، التي صاغها روبرت زاجونك، فإن تعرُّضنا المتكرر لأي محفز (مثل أغنية) يزيد من إعجابنا به في البداية، لكن بعد نقطة معينة، يتحول هذا التعرض إلى ملل أو نفور.
[1]

2. التشبع العاطفي (Emotional Satiation)

عندما ترتبط الأغنية بمشاعر قوية (فرح، حزن، حب)، يُفرط الدماغ في استهلاك هذه المشاعر حتى تنضب. مثلًا: أغنية ارتبطت بعلاقة عاطفية قد تتحول إلى تذكير مؤلم بعد الانفصال.
[2]

3. فقدان عنصر المفاجأة

الدماغ يُحب المفاجأة. عندما تعرف كل تفاصيل الأغنية (الكلمات، الإيقاع، التوزيع)، تفقد قدرتها على إثارة الفضول، مما يُقلل من متعة الاستماع.
[3]


القسم الثاني: العوامل العصبية والبيولوجية

1. دور الدوبامين (هرمون المتعة)

عندما تسمع أغنية جديدة محببة، يفرز دماغك الدوبامين، الذي يخلق شعورًا بالنشوة. لكن مع التكرار، يتوقف الدماغ عن إفرازه بنفس الكثافة، مما يُفقد الأغنية جاذبيتها.
[4]

2. التكيّف الحسي (Sensory Adaptation)

الجهاز السمعي يتكيف مع المحفزات المتكررة لتجنب الإرهاق. هذه الآلية التطورية تحمينا من التركيز الزائد على ما لا يحتاج إلى انتباه، لكنها تجعل الأغنية المكررة تبدو "بلا طعم".
[5]

3. نظرية "التنشيط المشترك" (Coactivation Theory)

حسب هذه النظرية، فإن الخلايا العصبية المسؤولة عن معالجة الموسيقى تُصبح أقل نشاطًا مع التكرار، لأنها تتنبأ بالمحفزات مسبقًا. هذا يقلل من الإثارة العاطفية.
[6]


القسم الثالث: العوامل الاجتماعية والثقافية

1. الإفراط في التشغيل (Overplay)

عندما تفرط الإذاعات أو منصات الموسيقى (مثل سبوتيفاي) في تشغيل أغنية ما، تُصبح مرتبطة بالإزعاج بدلًا من المتعة. مثال: أغنية "Despacito" التي تحولت من ظاهرة عالمية إلى مصدر إرهاق.
[7]

2. الضغط الاجتماعي

إذا أصبحت الأغنية "موضة قديمة" أو ارتبطت بفئة عمرية أو ثقافية معينة، قد تتجنبها لتجنب الوصم الاجتماعي.
[8]

3. الذكريات السيئة

قد تكتسب الأغنية دلالات سلبية مع الوقت، مثل ارتباطها بفترة مرهقة في العمل أو خسارة شخص عزيز.
[9]


القسم الرابع: كيف تتجنب كره الأغاني التي تحبها؟

1. استراتيجية "الصيام الموسيقي"

ابتعد عن الأغنية لفترة (شهر مثلًا)، ثم عد إليها. هذا يساعد على استعادة عنصر المفاجأة.

2. التنويع في القوائم الموسيقية

لا تعتمد على أغنية واحدة. أنشئ قوائم متنوعة لتجنب التكرار.

3. الربط بمشاعر إيجابية جديدة

حاول ربط الأغنية بذكريات أو أنشطة جديدة (مثل ممارسة الرياضة أو السفر).

4. استكشاف النسخ المختلفة

استمع إلى نسخ "ريمكس" أو عزف حي للأغنية لتجديد الشعور بها.


الخاتمة

كره الأغاني التي كنا نحبها ليس ضعفًا في ذوقنا، بل هو نتيجة طبيعية لتفاعل معقد بين العقل والمجتمع. الفهم العميق لهذه الآلية يمنحنا التحكم في علاقتنا بالموسيقى، ويُذكرنا بأن التنوع هو سر استمرار المتعة.


المراجع العلمية

  1. Zajonc, R. B. (1968). Attitudinal effects of mere exposure. Journal of Personality and Social Psychology.
  2. Berlyne, D. E. (1971). Aesthetics and Psychobiology. Appleton-Century-Crofts.
  3. Huron, D. (2006). Sweet Anticipation: Music and the Psychology of Expectation. MIT Press.
  4. Schultz, W. (2015). Neuronal Reward and Decision Signals. Cambridge University Press.
  5. Kandel, E. R. (2012). The Age of Insight: The Quest to Understand the Unconscious in Art, Mind, and Brain. Random House.
  6. Friston, K. (2010). The free-energy principle: a unified brain theory? Nature Reviews Neuroscience.
  7. DeNora, T. (2000). Music in Everyday Life. Cambridge University Press.
  8. Bourdieu, P. (1984). Distinction: A Social Critique of the Judgement of Taste. Harvard University Press.
  9. Janata, P. (2009). The neural architecture of music-evoked autobiographical memories. Cerebral Cortex.


أحدث أقدم

نموذج الاتصال